د. محمد فلحي
كرم الله سبحانه وتعالى الإنسان بنعمة العقل، ودعاه مراراً وتكرارا إلى استخدامه في عمل الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووصف من من يسيئون استخدام عقولهم ب( شر الدواب) الذين لا يعقلون ولا يفهمون،
أصل العقل في اللغة: الإمساك والاستمساك، كعقل البعير بالعقال. قال الخليل: العقل: نقيض الجهل. يقال: عقل يعقل عقلا، إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو انزجر عما كان يفعله. والعقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للعلم الذي يستفيده الإنسان بتلك القوة: عقل، وجمعه عقول. ورجل عاقل، وقوم عقلاء، وعاقلون. ورجل عقول، إذا كان حسن الفهم وافر العقل. وما له معقول، أي: عقل، ويقولون: فلان عقول للحديث، والعقل( الدية) . يقال: عقلت القتيل أعقله عقلا، إذا أديت ديته. والعاقلة: القوم تقسم عليهم الدية في أموالهم، إذا كان المقتول قد قتل خطأ، وهم أهل وبنو عم القاتل الأدنون وإخوته. وسميت الدية عقلا؛ لأن الإبل التي كانت تؤخذ في الديات، كانت تجمع، فتعقل بفناء المقتول، فسميت الدية عقلا، وإن كانت دراهم ودنانير. وقولهم: فلانة عقيلة قومها: كريمتهم وخيارهم. وعقيلة كل شيء: أكرمه.
أما العقال فهو الرباط الذي كانت تقيد به أرجل الإبل!
وارتداء ( العقال) في الزي العربي هو تعبير عن ذلك الإرث الديني والاجتماعي النبيل الذي يجعل زينة المرء في عقله قبل عقاله!
ما زالت مكانة العقل والعقال محفوظة ومحترمة عند حكماء القوم ووجهاء المجتمع وشيوخ العشائر الأصلاء، ولكن (التزييف العميق) والتردي القيمي الذي شهده المجتمع في العقود الأخيرة انتج ظاهرة ( العقال المزيف) ومن ثم( الشيخ المزيف) وهذه الظاهرة معروفة يمكن للمرء ان يجدها في الجلسات العشائرية لفض النزاعات أو مناسبات العزاء والأفراح حيث يجتمع القوم، وعادة يكون( الشيخ المزيف) هو الأعلى صوتاً والأكثر شراسة ووقاحة في عدم احترام الدين والقانون والعرف والأخلاق، وسط تاييد حفنة من الجهلة، في حين يجلس الشيخ الحقيقي في بيته أو مضيفه حائرا حزينا وهو يرى صوت الباطل يرتفع وطلقات الرصاص تسبق الكلمات والتهديد و( الدگة) تسبق الحكمة في معالجة كثير من الخلافات الاجتماعية!
عندما غابت قوة القانون في ظل ضعف الدولة في السنوات السابقة برزت المشيخة الكاذبة والإمارة المزيفة وانتشرت ظاهرة إطلاق النار العشوائي والسلاح المنفلت والقتل الفوضوي!
ينبغي أن تكون اجهزة الدولة هي الضامن الحقيقي للسلم الأهلي، ولا بأس من التعاون مع الشيوخ الأكارم والوجهاء الحقيقيين وجعلهم قدوة حسنة في الحفاظ على الاستقرار والأمن ومعاقبة المجرمين وفق القانون، أما الدية المليارية والفصل الباطل والدگة العشائرية والسلاح السائب فهي جرائم حقيقية، وقد آن الأوان لفرض القانون بلا تردد!
من الأعراف السيئة التي نشرها الشيوخ المزيفون هي تأجير انفسهم وعقالهم لمن لديه نزاع للحصول على المال بغطاء الدية والفصل والابتزاز، وهناك أمثلة كثيرة على سلطة الباطل وفرض مبالغ كبيرة على شخص لم يرتكب ذنبا ولا يجرمه القانون مثل الدفاع عن سائق السيارة او الدراجة أوالتكتك الذي لم يبلغ سن الرشد ويقود مركبته بدون اجازة قانونية، ويرتكب حوادث خطيرة ويسبب الفوضى في الشارع، فيعتبره الشيخ ( المعقل)المزيف على حق دائماً، ويطالب بالفصل لصالحه، منتهكا القانون ومتحديا الدين والأخلاق، وهناك أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى!
اقترح أن تكون أول خطوة من قبل الحكومة في معالجة هذه الظاهرة تحديد اسماء الشيوخ الحقيقيين وتنظيم عملهم وفق القانون، ومنع وردع كل من يرتدي العقال بلا أصل ولا حكمة ولا عقل!