د. محمد فلحي
عندما تشتري سيارة من أشهر شركة،وتكون مضمونة من أشهر وكالة لبيع السيارات في العراق، وتدفع سعراً أعلى بكثير من أسعار السيارات المشابهة، فلا بد أن تتوقع أن ضمان الصيانة، وهو مدفوع الثمن مسبقاً، سوف يغنيك، لسنوات عدة، عن مراجعة( الفيترجي) و(السمكري) و( الكهربائي)، ولكن أحلامك تتبخر عند أول تجربة، وتشعر أن التجارة ليست شطارة فحسب، بل خداع وضحك على الذقون، كما يقولون!
هناك شركات تمنح ضمان صيانة للسيارة لمسافة مليون كيلو متر ومدة عشر سنوات،وأخرى تمنح ضمان أربعين ألف، ومدة سنتين فقط، وكل ذلك غير موثق قانونياً أو مكتوب تحريرياً، فهو عقد شفهي، لا تترتب عليه حقوق للزبون ولا واجبات على البائع، ويبنى العقد فقط على حسن الظن، وهذه من غرائب سوق السيارات غير الخاضعة للرقابة أو الإشراف،من أية وزارة أو جهة حكومية، كما يبدو، مع الأسف!
يتوهم الكثيرون أن عقد الصيانة يعد هدية من الشركة للزبون، ولكن الواقع أن شركات السيارات تستخدم هذه الخدعة لجذب المشتري أولاً، ثم تحقيق أموال طائلة ثانياً،من خلال قطع الغيار التي تباع بأغلى الأسعار بحجة أنها أصلية!
يفترض أن يكون عقد الضمان غير المكتوب يتضمن تغيير الزيت والفلتر، كل خمسة آلاف كيلو متر،وفحص وتنظيف دوري للأجزاء المهمة من السيارة،وعند حضورك في الموعد المحدد مع سيارتك، يتم استلامها وادخالها ورشة الصيانة، ويتم اجراء العمليات كلها غيابياً،فلا تشاهد نوع الزيت ولا تتأكد من تبديل الفلتر، ولا تعلم ماذا فعل موظف الصيانة،ثم توقع على قسيمة الصيانة، وتسدد الثمن بعد اضافة عدد من الخدمات غير المجانية،وتستلم سيارتك وتمضي صاغراً!
بعد وصول العداد إلى عشرة آلاف كيلو متر،تجري عملية تغيير الزيت والفلتر، حسب الجدول المفترض، ولكن يقدم لك موظف الصيانة خيار أن يجري فحص وتنظيف الفلاتر والبخاخات والصمامات والحساسات، مقابل ثمن غير قليل، وهنا تكون مضطراً لدفع مبلغ كبير لمجرد الفحص والتنظيف الذي يفترض أن يكون دورياً، من ضمن(الوكالة) المزعومة!..وعندما تسأل الموظف:هل يمكنني رفض هذه العملية باهضة الثمن يجيبك بأنك سوف تتحمل نتائجها، وقد تعرض سيارتك لعطل خطير، يكون إصلاحه بسعر غير متوقع، فتوافق لكي لا يحصل الأسوأ!
في ما يخص الحوادث والصدوع في الهيكل الخارجي، لا يوجد أي ضمان، وعليك أن تراجع قسم الهياكل، وتوافق على(السعر التجاري)،فتجد المعاملة الخادعة وتصدمك أسعار قطع الغيار العالية وأجورالعمل، المبالغ فيها، فتهرب بسيارتك دون رجعة!
ما دفعني لكتابة هذا المقال تجربة شخصية عشتها قبل أيام،وقررت سردها للناس لعل فيها عبرة، وتنبيه لمن يهم الأمر،فقد راجعت مركز صيانة شركة (……) في بغداد الساعة ٩ يوم الاحد ١٣/١٠/٢٠٢٤ واستقبلني الموظف المختص، وعندها ألقينا نظرة على السيارة، وشرحت له بعض النواقص في الهيكل الخارجي، ومن أهمها سقوط الدرع الحراري الألمنيوم الذي كان تحت(الصالنصة) وضرورة تثبيته في مكانه باستخدام كلبسات أصلية، وهو سليم لا يتطلب سوى التثبيت، ثم لاحظنا انقطاع جزء من الغطاء الواقي البلاستيكي الذي فوق الاطار الأمامي الأيسر(البطانة) مما يحتاج تركيب( بطانة) جديدة،كما توجد بعض الخدوش البسيطة في صبغ السيارة ، وهذا كل ما مطلوب!
قال الموظف يجب أن تبقى السيارة يومين على الأقل لغرض فحصها وكتابة تقرير فني، فأخبرته أن الأمر بسيط ولا يتطلب هذا الوقت، ثم اتفقنا على أن أترك السيارة في الصيانة يوم واحد، وذهب الموظف إلى قسم قطع الغيار، وعاد بعد دقائق، وأخبرني ان سعر( بطانة التاير) هو ٧٧٠ ألف، فدهشت من هذا المبلغ غير المعقول، وقلت إن هذا سعر محرك تقريباً ، وتدخل زميل آخر، وقال لا يمكن ان يكون هذا السعر، وسوف أقوم بالبحث في النت عن سعره الحقيقي، وأكد ان سعره ١٤٤ ألف( فقط) وأضاف:اذا أردت توصيل سريع سوف يكون المبلغ أكثر!
طلبت منهم تأجيل تبديل(البطانة) لوقت آخر، وتركيب الدرع المعدني ومعالجة الخدوش بالبوليش، فقال إن هذا يكلفك ٣٧٠ ألف، وان تركيب الدرع يستغرق ساعتين وكذلك معالجة الخدوش.
رفضت العرض، بعد أن استفسرت من أحد الأصدقاء، الذي أكد لي إن شد الدرع يستغرق ربع ساعة ويكلف ٢٥ ألف، وإن البوليش ومعالجة الخدوش يستغرق ربع ساعة أيضاً، ولا يكلف سوى ٢٥ ألف، يعني المجموع ٥٠ ألف عند أي محل سمكري في الشارع بلا وكالة ولا كفالة.. ومن الواضح أن موظف الشركة فرض زيادة، حسب تقديره ومزاجه، مقدارها أكثر من ٣٠٠ الف !
غادرت المكان وأنا في حالة من الاستياء لهذه المعاملة السيئة، والمبالغ غير المعقولة، وشعرت أن موظفي الصيانة غير متعاونين وغير صادقين في تقدير الأسعار والأجور، مع الأسف، رغم ان سيارتي جديدة ومكفولة من وكالة(…) والمسافة في العداد نحو ١٠ آلاف كم فقط!
وصدق المثل القائل أن(البطانة) أغلى من المحرك!