خلف ستائر القرار

كتب/ الدكتور عدنان السراج

ابان اجراء الانتخابات النيابية في العراق عام 2014 عصفت احداث سياسية مهمة حيث خرجت محافظتان وهما نينوى وصلاح الدين وكان لقرار السيد مسعود البارزاني بسحب فرقتين عسكريتين من المحافظين اعلاه مع قرار محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي بسحب وتحييد قوات الشرطة المحلية اثرهما البالغ بالتعجيل بسقوط المحافظتين وخروجهما عن سيطرة الدولة لتصبح داعش على ابواب بغداد بفعل ارادة خارجية وداخلية لاخراج نوري المالكي من دائرة التاثير السياسي والحكومي كاقوى سياسي في منظومة سياسية متهالكة ومتناقضة وتعيش هوس السلطة . في هذه الفترة الحساسة ارخ د.عبد الله العلياوي في كتابه (خلف ستائر القرار) وبحرفيته وامانته وشفافيته عن مشاهداته ليسجل تلك الاحداث تدوينا وتوثيقا وساعده على انجاز مهمته منصبه كممثل لرئيس الجمهورية في جلسات مجلس الوزراء وكنائب سابق ويحتفظ بعلاقات مع العديد من زعماء الشيعة والسنة والكرد الساسيين، يبدأ  المؤرخ من اختيار د.سليم الجبوري رئيسا لمجلس النواب يوم 15/7/2014 ، وتنصيب فؤاد معصوم رئيسا يوم 24/7/2014، كنقطة شروع لكتابه، ينقل هنا ((وصول الكتل السياسية الى العقبة الاكبر وهي اختيار مرشح لرئاسة الوزراء ، اذا كانت الكتلة الاكبر هي التحالف الوطني (الشيعي) تعيش خلافات عاصفة حول تسمية مرشحها للمنصب الاهم في البلاد فرغم ان قائمة دولة القانون هي الفائز الاكبر بالانتخابات بحصولها على 95 مقعدا وان رئيسها نوري المالكي هو الفائز الاكبر بالانتخابات بحصوله على 724 الف صوت وهو ما لم يحققه سياسي اخر قبله او بعده، الا ان ائتلاف دولة القانون في النهاية دخل في تحالف لتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر وهكذا صار ترشيح رئيس الوزراء يخضع لموافقة بقية مكونات التحالف الشيعي الجديد )). وللوهلة الاولى يظهر المؤرخ تصوراته الموثقة لمنع حصول المالكي على الولاية الثالثة الى الصراحات السياسية للسيطرة على القرار السياسي والحكومي والاقتصادي من جهات تحركها واجهات سياسية ومافيات فساد ومجموعات مسلحة خارجة عن القانون وهيئات اقتصادية تتلاعب وتتحكم باقتصاديات البلاد وقوت العباد، مع تخوف كردي من تنامي قوة المالكي كزعيم عراقي كان يزعج الكرد بسبب خلافاتهم المالية مع بغداد. وموقف سني رافض لاسبابا طائفية وسياسية يدفعها  زعماء ارتبطوا بمصالح خارجية وعلى خلفية استخدام المالكي القوة في فض التظاهرات السنية في محافظتي نينوى والانبار والتي اخترقت من الفاعدة وبقايا البعث ودول خارجية والتي كانت تحرك الاحتجاجت وتدعمها ماليا وسياسيا واعلاميا، ويشير المؤرخ الى رفض امريكي لتولي المالكي الولاية الثالثة والذي تجسد بضغط كبير على قادة لمؤسسة السياسية لاستبدال المالكي كونه يحمل اديولوجيات خطيرة حسب تعبيرهم ويعزز المؤرخ رايه في روايته التي ذكر انه ((حضر في اجتماع الى جانب رئيس الجمهورية مع وفد امريكي يراسه وكيل وزارة الخارجية انتوني بلينكن بصحبة السفير الامريكي وبيرت ماكفورك ، قال رئيس الوفد الامريكي: التخلص من المالكي كان امرا جيدا لانه يحمل ايديولوجيا خطيرة )). الا ان السيد المالكي يرجح الرفض الامريكي لتجديد ولايته انهم انزعجوا من موقفه من الرئيس السوري بشار الاسد ومنع سقوطه لانه اي المالكي كان يرى ان وقوع سوريا بيد الارهابيين سوف يقوض الامن في العراق والمنطقة وان الامريكان عبروا عن سخطهم من موقفه هذا بانهم علموا ان مشروعهم في سوريا قد تم افشاله من قبل المالكي. وعن موقف المرجعية الدينية المتمثلة حصرا بسماحة الامام السيد السيستاني والتي وصف معارضتها للولاية االثالثة انها جاءت من وراء الجدران حسب تعبيره ويضيف قائلا في العلن اكتفت المرجعية بالاعلان عن رغبتها بترشيح شخص مقبول من الفئات السياسية جميعها. الا ان المؤرخ لم يكتفي بذلك فذهب بعيدا في محاولته لفهم حقيقة موقف المرجعية من المالكي عندما ذكر في ص 16 ((ان موقف المرجعية يعود الى ان المالكي في احدى زياراته الى ايران التقى السيد محمود الشهرودي (رحمه الله) وهو مرجع عراقي معروف مقيم في ايران وطلب منه العودة والاستقرار في النجف وهو ما نقله البعض للسيد محمد رضا نجل المرجع السيستاني (دام ظله) فاثار ذلك حفيظته وعد ذلك خطوة غير مقبولة لها ابعاد مستقبلية مقلقة لمستقبل المرجعية )). اعتقد ان هذه الرواية تم نفيها وتكذيبها من قبل المالكي والرئيس فؤاد معصوم ولا ارى مسوغا لها لان المرجعية في النجف الاشرف فوق هذه الاعتبارات لوجود العديد من المراجع والفقهاء فيها دون ان يثير ذلك المرجعية ويستفزها. وينقل المؤرخ عن المالكي انه سأله عن هذا الرواية فنفى نفيا قاطعا دعوته للشهرودي للعةدة الى العراق وقال ليس من شيمي واخلاقي ان اطعن في ظهره ويبدو ان هناك من تعند تعكير الاجواء بن المالكي والمرجعية. وكذلك يذكر المؤرخ نفي الرشيس فؤاد معصوم طلب المرجعية منه ذلك الا ان الرئيس لم ينف ان قيادات شيعية بارزة اخبرته ان المرجعية ترفض تكليف المالكي وان المؤرخ سأل معصوم مرات عديدة فيما اذا كانت المرجعية او اي طرف اخر طلب من رسميا عدم تكليف المالكي بتشكيل الجكومة عام 2014 ، فاجابني “المرجعية الدينية لم تطلب مني رسميا عبر رسالة او مبعوث خاص بعدم تكليف المالكي لكن كثيرا من القيادات الشيعية البارزة في التحالف الوطني ابلغتني ان المرجعية ترفض تكليف المالكي فبتشكيل الحكومي”. وقد قلت للرئيس “كان عليك التاكد من كلامهم” واكد له الرئيس معصوم ان مسعود البارزاني لم يطلب منه عدم تكليف المالكي بتشكيل الحكومة ، وهو ما اكده للمؤرخ السيد مسعود البارزاني قائلا ((صحيح اننا كنا على خلاف مع الاخ المالكي بسبب موازنة الاقليم ، لكن ليس عاداتي التدخل في شؤون القوى السياسية الاخرى ، وانا اكن كل الاحترام للمالكي لانه لم يستخدم القوة مع الكرد في يوم من الايام)). لكني اعتقد جازما ان السيد مسعود البارزاني كان منخرطا مع قوى سياسية اخرى عراقية وشيعية وخصوصا السيدين مقتدى الصدر وعمالر الحكيم لسحب الثقة من السيد المالكي وايدتهم قوى سنية كالنجيفي وان نفي السيد مسعود لا يتعدى الا كونه ردا سياسيا ودبلوماسيا تحاشيا لغضب الشارع الشيعي والذي كان مؤيدا للسيد المالكي بشكل كبير ولتاكيد هذه المواقف تحدث السيد المالكي عن لجنة عقدت في اربيل قبل سقوط الموصل حضرها ممثلون من الاكراد والسنة واثنان من الامريكيين لوضع اللمسات الاخيرة لسيناريو سقوط الموصل، ويضيف المالكي انه اتصل بالادارة الامريكية مستفسرا عن مشاركة اثنين من الامريكيين فجاءه الجواب من واشنطن انهم مواطنين غير رسميين . ويؤكد المؤرخ تصوراته واراءه عن رفض القوى السياسية العراقية للولاية الثالثة فقد ((كانت جميع الكتل وخاصتا الشيعية منها تبرر موقفها الرافض للمالكي بتحميله مسؤولية اجتياح تنظيم داعش الارهابي لكثير من المناطق وهدر المال العام ، واعتقد ان احتلال داعش للمدن العراقية لا يتحمله المالكي بل كان مؤامرة دولية اقليمية على العراق ولم يظهر احد وثيقة رسمية تدين المالكي بذلك ، وستبقى الايام هي الكفيلة بكشف حقيقة ظهور داعش واتذكر جيدا ان الرئيس الامريكي باراك اوباما صرح مع بدأ ظهور داعش ان تواجد التنظيم الارهابي في العراق سيستغرق اربع سنوات وهو ما حدث فعلا !!! )).

ويتفق المؤرخ مع اراء من عاصر تلك الحقبة الزمنية باعتقاده ((ان المعارضة الشديدة للمالكي من القوى السياسية تعود الى قوة شخصيته التي بمواجهته للسلاح المنفلت في كربلاء والبصرة ثم بغداد وغيرها وهو ما دفع الكثير من الشخصيات والجماعات للقلق من تنامي قوته وتاثيرها عليهم مستقبلا ولاسيما انه كان القائد العام للقوات المسلحة لثمان سنوات ووزيرا للداخلية طوال اربع سنوات (2010-2014). )) وعما اثير الى نية المالكي استخدام القوى العسكرية والامنية لمنع ابعاده عن الترشيح لولاية ثالثة ، نفى المالكي ذلك واجاب المالكي المؤرخ انه ((قبل يوم من تكليف السيد لعبادي ارسلت في طلب بعض قيادات الجيش والشرطة وطلبت منهم عدم التدخل في الشؤون السياسية لان عهد تدخل الجيش في السياسة قد ولى ، وقلت لهم اني اطلب منهم الحفاظ على الهدوء في حالة حدوث اي شئ فان الدستور كفيل لحل المشاكل كلها. وفعلا لم تحدث اي حركة تعكر الاجواء وتم اصدار تكليف العبادي بسهولة ليعود من قصر رئاسة الجمهورية لمقره بحماية قوة من حرس الرئاسة، وسار كل شيء طبيعي وتقبل المالكي الحلة بهدوء دون اثارة اي مشاكل ، وارى ان هذا يدل على حكمة المالكي ورجاحة عقله الذي لم يزج الدولة في اتوم حرب داخلية ، واضن انه فعل حسنا رغم اجهاظ حقه في تشكيل الحكومة)) .

وعن قوة شخصية المالكي نقل لنا المؤرخ نموذجين لقراراته وسلوكه : النموذج الاول في نصرة المعلمين والمدرسين والاساتذة الجامعيين والدفاع عنهم وينقل المؤرخ الرواية التالية ((لكن للتاريخ اذكر هذه الحادثة وانا شاهد عليها فيها فقد كنت مساء احد الايام من عام 2009 عند المالكي واخبره سكرتيره “حجي لقد حضروا” انا قمت من مكاني وستاذنت منهم قلت في نفسي لعل عنده شانا خاصا لكن المالكي طلب مني البقاء فبقيت ودخل 3 رجال وامرأة وكان احد الرجال ملابسه ممزقة وملطخة بالدماء ، وكنا واقفين فقال المالكي هكذا الطلاب يعتدون على استاذهم .. وسأل المالكي الرجل : هل تعرف اسمائهم فقال نعم واعطاه الاسماء واتصل المالكي فورا بعبود قنبر قائد قوات عمليات بغداد انذاك وامره بصوت عال “الان تذهب تعتقل هؤلاء الطلاب من بيوتهم (…) هكذا صار التعليم طلاب يعتدون على استاذهم …” وبينما ما نزال واقفين اتصل المالكي بوزير التعليم العالي عبد ذياب العجيلي وتكلم معه بصوت عال “كم مرة قلت لك لا تسمح بفتح مقرات الاتحادات الطلابية داخ الحرم الجامعي ، الجامعة مكان العلم والمعرفة وليست للسياسة .. غدا ارسل قوات سوات ويغلقون كافة المقرات مو تطلعلي بالقنوات وتقول رئيس الوزراء ارسل قوات مسلحة داخل الحرم الجامعي. وكنت اسمع صوت الوزير يقول له نعم تأمر.. ثم جلسنا وقال للاستاذ واسمه د.عبد الله البياتي واختصاصه اللغة العربية : حدثني كيف اعتدوا عليك … فسرد كيفية الاعتداء ولم يسبق ان رأيت المالكي بهذه العصبية وتغير ملامحه رغم اني اعرفه منذ كان طالبا في كلية الاداب عام 1993 في اربيل وكان مرحا وهادئا وذكيا ثم قال للدكتور ماذا تريد اعطيك ؟ حماية ؟ فرفض ، اعطيك سلاحا ؟ اصدر امرك كرئيس للجامعة؟ فرفض ، اصدر امرا لتتسلم عمادة كلية الاداب في الجامع ةالمستنصرية ؟ فرفض ، فقال في الاخير وهو يبتسم ماذا اعمل لك ؟ فقال الاستاذ : سيدي الرئيس انا عمري تجاوز الستين عام ومرتبتي العلمية استاذ، لم ار في حياتي ولم اسمع ولم اقرأ في كتاب ولم اشاهد احدا من السلك التعليمي يعتدى عليه وفي نفس اليوم رئيس اعلى سلطة تنفيذية في البلد يستقبله بملابسه الممزقة والملطخة بالدماء. فهذا يكفيني شرفا وعزا .. والله حزن المالكي كثيرا من كلامه وبعد توديعهم لم يتكلم المالكي لدقيقتين بسبب صدمة الجواب … والله انا كذلك دمعت عيناي لسببين :

الاول/ لعزة نفس هذا الاستاذ الجليل د.عبد الله البياتي .

الثاني / انا بصفتي استاذا جامعيا ورأيت هذا الموقف النبيل من هذا الاستاذ الشريف فكيف لا تدمع عيناي فرحا به . لاقول في نفسي مازال العراق بخير” )).

والنموذج الثاني : سياسيا عندما حسم الجدل القائم لترشيح رئيس الجمهورية والذي كان سببا لتأخر تشكيل الحكومة وهذا ماحصل بترشيح برهم صالح لرئاسة الجمهورية فقد (( كان شرط المالكي الوحيد على برهم صالح هو أن يكتب تعهدا بتكليف اكتلة الأكبر لرئاسة الوزراء بتشكيل الحكومة وقد كتب برهم صالح التعهد لكن المالكي عدل صيغة التعهد ثلاث مرات لمنع برهم من التلاعب بالكلمات ” أنظر صور التوقيع ونص التعهد” ومن جانبه أضاف برهم على التعهد المكتوب بأن أثسم على ترشيح المالكي كنائب أول له بعر الفوز برئاسة الجمهورية والتشاور معه في جميع الأمور ، لكنه لم ينفذ التعهد المكتوب بتكليف مرشح الكتلة الأكبر ولا القسم بمنح المالكي منصب نائب رئيس جمهورية ))