بقلم

الشيخ الحقوقي طه فيصل منخي

رئيس عشيرة الشويلات ( الجدعان)

تحمل الحاج فيصل بن منخي رئاسة العشيرة بعد مرض والده رحمه الله و كان الابن الأكبر للحاج منخي إلى جانب اثنين من اخوته وهم كل من شاول وجعفر وتميز الحاج فيصل بسعة صدره ونُبله وفراسته وشجاعته الفذة  جعلته ملماً بتمام ما يصبون إليه اعمامه من الجدعان والشويلات وجمهور الوسط الشعبي و العشائري ، ورافعا قول الله عز وجل

وانذر عشيرتك الاقربين شعارا له .

ويذكر كل من عاصره دلائل عن افقهِ الواسع ووعيهِ الاجتماعي والديني والسياسي الذي ينفرد به فضلاً عن كل ذلك كانت له حظوةٌ حباه الله بها، فله من المواقف مايُذكر في مقارعتهِ لحزب النظام السابق الذي رفض من خلالهِ الحضور ممتثلًا لقيادات حزب البعث كممثل لعشيرة الشويلات الجدعان وادعى تارةً انه لايملك درجة حزبية تؤهله يمثل العشيرة كنايةٍ عن امتناعه وايمانه بحرمة الذهاب لتلك المؤسسات وتارةٍ اخرى ادعى لم يمتثل للشفاء من جراء أصابةٍ قديمة حدثت له في منطقة الرأس فترة خدمته العسكرية ومن حسن الحظ  كانت لجنة شرحبيل المشرفة على جرحى الجيش أن ذاك كانت تؤيد ذلك  في الوقت الذي كان البعض  يتهافت عليها لما فيها من مغريات ، كما كان رحمه الله يمتلك ذهنية القارى الحذق لواقع بلده ومجتمعه من حيث التاريخ والدين والاجتماع والسياسة وكان يمتلك مكتبةٌ قيمةٌ جدا تضم كتبا دينية واخرى سياسية وغيرها من الكتب وبعد توجس خطر الوشاة ومراقبتهم قام بدفنها أكثر من مرة في حديقة المنزل خشيةً من تفتيش الدار الذي اصبح بشكل شبه يومي وقت ذاك ولما اخذ ضغط السلطات مأخذه بمراقبته ومتابعة تحركاته ، حدث ان قام بلقاء بعض عناصر الجيش المنسحبين من معركة الكويت وحفر الباطن إبان فترة حرب الخليج لمعرفةٍ تربطهُ بهم سابقة وايوائهم وأقرائهم ان ذاك وكانوا ساخطين على مايجري من تعسف سلطات البعث واجرامه وعلى اثر ذلك توحدت الرؤى لخوض صراع مسلح ضد النظام وتمكن هو وزملائه من احكام السيطرة التامة على مديرية امن ميسان وغيرها من المكاتب الاجرامية وكل مكاتب فروع الحزب المنحل حينها  كان ذلك ابان ثورة شعبان عام ١٩٩١ وأصيب على أثرها بخمسة جروح بأعيرة نارية بأنحاء متفرقةٍ من جسمه براسه وأنفه وخنصره الايمن وساعده واعلى ساقه خلال معارك المواجهة مع حرس النظام التي نشبت في احياء مدينة العمارة التي تقع على جانبي الطريق العام والجسر اليوغسلافي والدبيسات والماجدية وسوق العمارة الكبير وفُقَدَ خبره خلال تلك المعارك مدة ستة أشهر بعد أن اجتاح حرس النظام المدينة وبعد عناء التقصي والبحث الشاق في كل احياء العمارة لم يذكر له اثرٌ حينها وضنوا اهله وذويه ومحبيه انه قد اُستشهدوفارق الحياة ، وبعد حين من الزمن تبين بعد أن انهكته الجراح تقهقر من جرائها ولاذ بأسلاف عرب عشائر الحلفاية فقاموا بأيوائهِ وتطبيبهِ سراً لكي لايشي به احدٍ إلى آمن النظام وبقى ينتقل من قرية الى اخرى ليجنب اهلها شر الوشاة وبخطةَ مقاتلٍ ذكي استطاع أن ينتحل صفةٍ ما ويُسَعف من خلالها إلى المستشفى لانه كان بأمس الحاجة للعلاج علما كان المستشفى بيد عصابة الحرس الجمهوري وتجري فيه عمليات الاعدام للمدنين العُزل وتصفية المجاهدين الجرحى والاسرى حين ذاك  وبالفعل تم اسعافه إلى مستشفى ميسان العام ومكث فيه ليس بكثير ولما احس ان ينكشف أمره اصطنع امر واقنع رجال امن المكان وبكل هدوء غادر المستشفى متوجهاً الى داره في حي المعلمين الذي غادره الاهل طيلة فترة الهجوم و قصف حرس النظام للاحياء المدنية وبقى في الدار حتى بعث برسالة إلى أحد الأقارب لاسعافه وبالفعل وصل خبرهُ الى احد الاعمام في بغداد توجه له فور سماعه الخبر وبعد الاستعانة بأحد ابناء العشيرة كان بدرجة حزبية رفيعة استطاع ان يتم نقله الى بغداد وتلقى العلاج  بعد الاتصال بأحد الممرضين الثقاة ليشرف على معالجته داخل المنزل واستطاع أن يجري له أربعة عمليات جراحية دونما الذهاب للمستشفى لتفادي الاعتقال وغياهب السجون، وكان رحمه الله يستعيض عن بنج التخدير الذي يستخدمه الاطباء في إجراء العمليات الجراحية بقراءة القرآن وبصوت وصراخ عالٍ يملئ حينها المكان ، حتى ذكر ممرضه ذلك وقال لم أجد أحداً بثباته وعزيمته وإيمانه وكان بعد هدوء جرحه يلاطفه بكلمات ليهون عليه ألمه ( ها حجي هم تعارج بعد عكب ثكل هاي الصَوَابات ها جا شحسبالك الجنة ابلاش وياهو الكالك اتحب الله ، هاي سوالفكم الموامنة ) يعني لغرض تخفيف عنه وطأءة الالم ويرد عليه الحاج الوالد بكل نكران ذات ( انة ما الحكك عمي انت تداوي المجاهدين وتقوم بخدمتهم كون النة مكان يمك هناك جا احنا بخير)

 وبعد اكتساب الحاج الشفاء شبه التام لانه بقت ثلاثة اعيرة نارية مستقرةٌ في جسمه يحذر الاطباء من اخراجهن ،

وبعد ان استقرت حالته الصحية عاود خدمة اعمامه وعشيرته وابناء مجتمعه وأثناء ضروف الحصار القاهرة واخرى غير بعيدة عن مؤشرات أمن النظام ، انتقل مع الاهل إلى بغداد ، واستقر فيها،وبدأء يزاول نشاطاته الطبيعية  عاود شغفه بالقراءة والاطلاع، لم يستطع حينها نقل كل كتبه القيمة إلى بغداد حينها بأستثناء مؤلفات وكتب السيد الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه الذي كان الحاج مولعا بالقراءة له واقتفاء اثره حيث استطاع أن يرفق تلك النفائس الثمينة بحقائب نسوةٍ من عياله لتفادي تفتيش السيطرات المتشددة أن ذاك ، استمر الاهتمام بهذا الاتجاه حتى مطلع عام ١٩٩٧ ابان فترة ضهور السيد محمد محمد صادق الصدر الشهيد الثاني رضوان الله تعالى عليه ونشاط خطه  فوجئت مناطق بغداد وضواحيها بأنتشار كثيف لعناصر حزب البعث وكافة اجهزته القمعية في الشوارع والازقة والاحياء السكنية ، ليباشروا التفتيش دار تلو الدار وحي تلو الحي وقصبة تلو القصبة ، لتستقر زمرة التفتيش في دار الحاج فيصل في صباح يوم الاثنين ٣٠ / ١٠/ ١٩٩٨من ذلك العام وتقلب مقتنيات الدار راساً على عقب مستخرجةً بذلك تلك الكتب التي طالما كان الحاج يحتفظ بها في حقيبة موضوعة في جوف كنبة من كنبات الدار حينها تم نقله مخفوراً إلى الفرقة الحزبية وبعدها نقل إلى  الأمن العامة في بغداد وبعد مضي ثلاثة أيام جاءوا بأبنه الأكبر وابن أخيه مخفورين ايضاً وبقى ابنه الثالث ملاحق لأن كل مستمسكات الاهل كانت بحوزة الحاج فأخذوهن معه كمبرزات ، وبعد قضاء مدة ثمانية اشهر في الأمن العامة طبعا من المفارقات التي حدثت للشيخ في الامن العامة كان مدير الامن يتهكم عليه بكلمات ( اي فيصل شتريد تصير عمر المختار ) وبعد ذلك وبالفعل لاصقته هذه التسمية طيلة فترة محكوميته وحكم عليه وابنه بالسجن مدة خمسة سنوات وأودعوا جناح الخاصة في سجن ابي غريب وبالافراج عن ابن أخيه.

من الأحداث التي مر بها الشيخ وهو في مديرية  الامن العامة ، قام مدير الامن  بتخصيص شخص من جلاوزته المعروف بقساوة قلبه واجرامه وبأشرافه المباشر لأهمية ماوجدوه بحوزته من كتب ومنشورات تحرض على الثورة  ضد النظام  ،حتى اشتد الألم المبرح بكل نواحي جسمه ، فوقف الشيخ موقف المهتضم المحتسب حينها فطلب اليه بسؤال فوقف التعذيب لبرهة فقال له( استاذ اريد أسألك سؤال قال اي بلة متسال خل انشوف شعندك ؟ قال له الشيخ انت هم وراك موت؟وبعد جواب مدير الامن بالكلام المشين قال الشيخ له ابشرك ايامك موطويلة ) فقام بالنيل من الشيخ بكلامٍ نابي وضربٍ شديد  وفي جوف اليل اخذ مستدركاً بما فعله من ظلمٍ كبير بالشيخ وفي تمام الساعة الثالثة فجرا هرع مرعوب إلى زنزانته التي كان محبوسا فيها ، فقام يستسمح منه على مافعله ويطلب الصفح والمعذرة ووصل به الامر حد البكاء فلم يطمئن الشيخ لما يفعله والتزم الصمت حيال مايجري وأمر مدير الامن حينها احد مرافقيه من الحراس ليكون بخدمة الشيخ وبكل مايطلبه ويحتاجه من مأكل ومشرب وملبس كان وقتها شهر رجب فكان الشيخ يطلب من الحرس بتوزيعه على السجناء وحرمه على نفسه ، فكان احد السجناء موقوف في مكان يسمى النضارة على خلفية قضايا امور طبية وهذا الشخص يدعى رمزي انطوان من الديانة المسيحية فكان طيب القلب ويكن الاحترام والمودة لجناب الشيخ فأخذ ذلك الرجل على عاتقه تأمين مطعمِهِ ومشربهِ في اوقات السحور والفطور لكون الشيخ طعام المدير حرمه على نفسه ،  وتغير الحال شيئا فشيء حتى ضن الشيخ انهم مقبلين على اسلوب اخر من الاستدراج والاستمالة ضل الحال هكذا لم يطمئن لهم، حتى ان تعافى الشيخ شيئا فشيء فكف التعذيب والاذى حتى بادر له الشيخ بسؤال فقال له ما سر هذا التغيير في المعاملة ليخرج المدير عن صمته ويروي  له ما حدث ليلتها معه  فتبين انه كان يرزح تحت وطأءة كابوس شديد جدا وهول ذلك الجاثوم كان مصحوباً بصوتٍ عالٍ يحذره ويصرخ في اذنيه يقول له الحاج الذي نعته ب عمر المختار هو بريئ وعلى اثر ذلك فزّزت مرعوب وتوجهت في تلك اليلة صوب محجر الحبس الذي أنت فيه لتتبدل عندي كل الاراء تجاهك هذا هو سر التغييرفي المعاملة.  فحمد الله الشيخ واثنى عليه.

* بعد أن حكم عليه بالسجن مدة خمسة سنوات اوكلت خدمة عشيرة الجدعان إلى ابن عمه الحاج محمد شيحان كَفر فبقى بخدمتهم مدة لا تتجاوز السنة ونصف تقريبا وبسبب تداخل بعض المتعلقات بين الاعمام ، واخرى تتعلق بجديته المفرطة في تسوية تلك الأمور ادى إلى أن تُفسر تلك التوجهات سلباً من بعض الذين لا يستسيغون الجدية والحزم  وبعد ان اخذت الامور بعدم الاستقرار أعلن اعتزاله من خدمة العشيرة،  وبعد ذلك اوكلت إلى الحاج جعفر منخي كفر، فلبث بهذا المضمار حتى وقت الإفراج عن الشيخ حينها ، عاد الشيخ لخدمة اهله وعشيرته وقومه ، وضل بهذا المضمار حتى سقوط النظام وبدأت حقبة الاحتلال والإرهاب وبعدها داعش حتى عام٢٠٠٨ وبعد وفاة أخيه جعفر بن منخي أخذت صحته لم تعد تسعفه من جراء فقد أخيه الذي كان يعتمد عليه في ادارة شؤون الحقوق العائدة للاعمام وكل متعلقاتها الحسابية وفي عام ٢٠١٤ وصدور فتوى الجهاد الكفائي من لدن سماحة المرجع الكبير اية الله السيد علي الحسيني السيستاني كان له موقف شجاع في حث أبناء العشيرة على القتال ضد داعش ، حينها كان له من العمر مايربوا ال٧٠ عام تعرض رحمه الله إلى جلطتين في الدماغ مما اثر عليه سلبا ووافاه الاجل المحتوم على اثر ذلك.

وفي الختام ساعمل على وصية الامام علي عليه السلام حين اوصى ولده الامام الحسن عليه السلام .. بقوله

بني اكرم عشيرتك فانها جناحك الذي به تطير .. واصلك الذي اليه تصير ..ويدك التي بها تصول